سورة النبأ - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النبأ)


        


{وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7)}
{والجبال أَوْتَادًا} أي كالأوتاد ففيه تشبيه بليغ أيضًا والمراد أرسينا الأرض بالجبال كما يرسي البيت بالأوتاد قال الأفوه:
والبيت لا يبتنى الإله عمد *** ولا عماد إذا لم ترس أوتاد
وفي الحديث: «خلق الله تعالى الأرض فجعلت تميد فوضع عليها الجبال فاستقرت فقالت الملائكة ربنا هل خلقت خلقًا أشد من الجبال قال نعم الحديد فقالت ربنا هل خلقت خلقًا أشد من الحديد قال نعم النار فقالوا ربنا هل خلقت خلقًا أشد من النار قال نعم الماء فقالوا ربنا هل خلقت خلقًا أشد من الماء قال نعم الهواء فقالوا ربنا هل خلقت خلقًا أشد من الهواء قال نعم ابن آدم يتصدق بيمينه فيخفى ذلك عن شماله» وظاهره كغيره أن خلق الجبال بعد خلق الأرض وإليه ذهب الفلاسفة المتقدمون والمحدثون وهي متفاوتة عندهم في الحدوث تقدمًا وتأخرًا وجاء في حديث رواه الحاكم وصححه عن ابن عباس أن أول جبل أبو قبيس وفي كيفية حدوثها منذ حدثت خلاف عندهم وقد يتلاشى ما حدث منها بطول الزمان:
إن الجديدين إذا ما استوليا *** على جديد أسماءه للبلى
ورا يشاهد حدوق بعض تلاع حجريلا من انجماد بعض المياه واستشكل احتياجها للإرساء بالجبال مع طلبها للمركز بثقلها المطلق وأجيب بأنه قد علم الله تعالى أنها ستكن ويكون عليها من الأثقال ما يكون ومن المعلوم أنها حينئذ يكون لها مركزان مركز جحم ومركز ثقل والذي ينطبق منهما على مركز العالم إنما هو مركز الثقل فيلزم من تحرك ثقيل إلى جهة المشرق أو المغرب مثلًا عليها تحركها لاختلاف مركز ثقلها ولزوم انطباقه على مركز العالم فيحصل الميد ولم تكن إذ ذاك بحيث لا يكون لما يكون عليها من أثقال سكنتها قدر يحس به فوضعت عليها الجبال وانطبق مركز ثقلها على مركز العالم وصار مجموع الأرض والجبال بحيث لا يظهر للمتحرك بعد قدر يحس به وقيل إنها كانت لخفتها بحيث يحركها أمواج البحر المحيط بها فيصل الميد فثقلت بالجبال مع ما في الجبال من المنافع الجمة التي لم تخلق الأرض لأجلها بحيث لا تحركها الأمواج وتمام الكلام في ذلك حسا كنا واقفين عليه قد مر فتذكر وحكى عن بعض أن جعلها كذلك عنى جعلها سببًا كذلك عنى جعلها سببًا لانتظام أهل الأرض بما أودع فيها من المنافع ولولاها لمادت بهم أي لما تهيأت للانتفاع بها ولاختل أمر سكناهم إياها وهو تأويل مناف للظواهر لا يحتاج إليه ما لم يقم الدليل القطعي على محالية إرادة الظاهر نعم قيل إن هذا أقرب للتقرير فإن جعلها أوتادًا بهذا المعنى أظهر من جعلها كذلك بذلك المعنى وأقرب إلى العلم به ورا يقال إنه أوفق لترك إعادة العامل ومن لا يراه يجعل النكتة فيه قوة ما بين الأرض والجبال من الاشتراك والارتباط فافهم.


{وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8)}
{وخلقناكم} عطف على المضارع المنفي بلم داخل في حكمه فإنه قي قوة أما جعلنا إلخ أو على ما يقتضيه الانكار التقريري فإنه في قوة أن يقال قد جعلنا إلخ والالتفات إلى الخطاب هنا بناء على القراءة المشهورة في {سيعلمون} للمبالغة في الإلزام والتبكيت {أزواجا} قال الزجاج وغيره مزدوجين ذكرًا وأنثى ليتسنى التناسل وينتظم أمر المعاش وقيل أصنافًا في اللون والصورة واللسان وقيل يجوز أن يكون المراد من الخلق أزواجًا الخلق من منيين مني الرجل ومني المرأة والمعنى خلقنا كل واحد منكم {أزواجا} باعتبار مادته التي هي عبارة عن منيين فيكون هلقناكم {أزواجا} من قبيل مقابلة الجمع بالجمع وتوزيع الأفراد على الأفراد وهو خلاف الظاهر جدًا ولا داعي إليه.


{وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9)}
{وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا} أي كالسبات ففي الكلام تشبيه بليغ كما تقدم والمراد بالسبات الموت وقد ورد في اللغة بهذا المعنى ووجه تشبيه النوم ظاهر وعلى ذلك قوله تعالى: {وَهُوَ الذى يتوفاكم باليل} [الأنعام: 60] وهو على بناء الأدواء مشتق من السبت عنى القطع لما فيه من قطع العمل والحركة ويقال سبت شعره إذا حلقه وأنفه إذا اصطلمه وزعم ابن الأنباري كما في الدور أنه لم يسمع السبت عنى القطع وكأنه كان أصم وقيل أصل السبت التمدد كالبسط يقال سبت الشعر إذا حل عقاصه وعليه تفسير السبات بالنوم الطويل الممتعد والامتنان به لما فيه من عدم الانزعاج وجوز بعضهم حمله على النوم الخفيف بناء على ما في القاموس من إطلاقه عليه على أن المعنى {جَعَلْنَا نَوْمَكُمْ} نومًا خفيفًا غير ممتد فيختل به أمر معاشكم ومعادكم وفي البحر سباتًا أي سكونًا ورواحة يقال سبت الرجل إذا استراح وزعم ابن الانباري أيضًا عدم سماع سبت بهذا المعنى ورد عليه المرتضى بأنه أريد الراحة اللازمة للنوم وقطع الإحصاص فإن في ذلك راحة القوى الحيوانية مما عراها في اليقظة من الكلام ومنه سمي اليوم المعروف سبتًا لفراغ وراحة لهم فيه وقيل سمي بذلك لأن الله تعالى ابتدأ بخلق السموات والأرض يوم الأحد فخلقها في ستة أيام كما ذكر عز وجل فقطع عمله سبحانه يوم السبت فسمي بذلك واختار المحققون كون السبات هنا عنى الموت لأنه أنسب بالمقام كما لا يخفى.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8